قبائل القرن الحادي والعشرين

قبائل القرن الحادي والعشرين




تكافح الولايات المتحدة، في افغانستان والعراق، القبلية القاسية بقدر ما تكافح الاصولية الاسلاموية، فالتعاليم السلفية الداعية الى الجهاد ضد الكفرة، والفتاوى الصادرة عن رجال الدين والتي تبرر قتل المدنيين وانذارات المتمردين الذين يقطعون رؤوس الاسرى، جميعها تعبيرات عن القبلية المتطرفة اكثر مما عن الاسلام. وقد اظهر البروفيسور لورنس كيلي بجامعة اوكسفورد ان الحرب القبلية الكلاسيكية تعادل تقريباً الغارات والمناوشات لكنها يمكن ان تتطور الى حرب شاملة يذبح فيها الناس جميعاً من دون رحمة. وهذا يحدث وفقاً لقول الصحافي الروائي امين معلوف، " لان المفهوم -القبلي- للهوية لايزال سائداً" في العالم ويسهل التصعيد. لقد كان للكثير من الاديان بدءاً من الطموحية القديمة فصاعداً، جذورها الاعمق في المجتمعات القبلية، وقد ظهرت الاديان التوحيدية الرئيسة-اليهودية والمسيحية والاسلام، خلال فترات زمنية قبلية متوترة في الشرق الاوسط. وتضم النصوص الاقدم لكل دين مقاطع تعبر وفاءً للاثنيات القبلية التقليدية، عن دعمها للايثار المتبادل نحو النسيب القريب والمعاقبة القاسية للقبائل التي تعتبر قد ارتكبت اهانة او اذى.

والطرق التي يشكل بها الدين طبقة على القبلية وبالعكس تكيف بصورة عميقة تفكير الناس وسلوكهم. وقد تعتبر القبيلة معبودها السلف الاقصى لهويتها. كما ان دينها قد يرشد افراد القبيلة كيف يدعمون مجتمعهم ويعاملون بعضهم بعضاً. وهو لا يحدد كيف يمكن لهم ان يتصرفوا تجاه الاجانب، لكن غالباً ما يوفر الدين التبرير. ويمكن للحياة القبلية ان تنشئ احساساً حيوياً بالصلابة الاجتماعية. وتملأ الناس بالكبرياء والاعتداد بالذات. وتحث الاسر على حماية واستقبال ورعاية بعضها بعضاً والثبات من خلال الشعائر المتشددة التي تؤكد روابطهم كأفراد قبيلة وبأسلافهم وارضهم ومعبودهم. وهذه القرابة تخلق الثقة والولاء الذي يعرف الواحد فيه (ويجب ان يعزز) حقوقه وواجباته وما عليه من التزامات. ويفضل الكثير من الناس في مختلف انحاء العالم الطريقة القبلية في الحياة، وبوجه خاص في الشرق الاوسط وجنوبي اسيا. بل ان المجتمعات العصرية التي انعدمت فيها القبائل والعشائر المحددة المعالم لاتزال تنطوي على حساسيات شبه قبلية في جوهرها تتجلى بصورة متنوعة في القومية، والمناسبات الاحتفالية الثقافية وجماعات المنفعة المدنية، ونوادي الهواة والالعاب الرياضية.

غير ان القبلية يمكن ان تعزز روح الانحياز المنحطة، فالقبائل والعشائر حساسة جداً تجاه الحدود والحواجز فيما يتعلق بمن هو من افراد القبيلة ومن هو ليس منها. وهكذا، يمكن لقبيلة ان تكون مملكة للفضيلة حيث يحكم الايثار المتبادل علاقات القربي، لكن هذا السلوك الفاضل، بمنطق القبيلة لا يملك ان يمتد نحو الاجانب او الغرباء، فهم يمكن ان يعاملوا بشكل مختلف خاصة اذا كانوا (مختلفين).

وعموماً، فكلما دعا الدين الى القربى بين جميع الناس، لكما امكنه ان يؤدي بهم الى الرعاية العالمية (وهو ما يفعله الاسلام في الغالب). والاكثر من هذا ان القبائل التي هي منفتحة على اكثر من ايمان واحد يمكن ان تكون اقل عرضة للغوايات الطائفية، فقبيلة رئيس الوزراء العراقي اياد علاوي، مثلاً، تحتوي على سنة وشيعة معاً. لكن كلما شيطن انصار دين ما الآخرين واستمتعوا بشرائع الانتقام لاخطاء مزعومة، وتعطشوا للفتوحات الاقليمية والروحية، مدعين انهم يفعلون ذلك لمصلحة معبودهم، كلما كان توجههم الديني قبلياً تماماً وميالاً لعقلنة العنف من اشد نوع.

ان كل الكراهية الدينية -سواء كانت مسيحيةاو يهيودية او اسلامية او بوذية او هندوسية او غيرها، تتكلم لغة القبيلة والعشيرة. وهذه اللغة معبأة وفقاً لنمط قبلي حقيقي بحساسيات تتعلق بالاحترام والشرف والكرامة والاهانة والاذى الذي يصيب أي واحد من هؤلاء يتحسسه جميع افراد العشيرة، والسبيل المشرف الوحيد لرد ذلك هو التعويض التام او الانتقام الشامل. وهذا هو المنطق الاخلاقي الاساسي لدى القبائل والعشائر مهما كان دينها.

وقد تسوء هذه السلوكات اذا ما قاد افراد القبيلة او العشيرة رئيس متعصب يرى نفسه ثورياً او امير حرب متحجر القلب. وما اسامة بن لادن وملا عمر طالبان وابو مصعب الزرقاوي او شامل باسييف الشيشاني الا امثلة لهؤلاء القادة. فلو ان الناس الذين يستهدفهم هؤلاء ردوا بطريقة قبلية -والقومية المتطرفة احد الامثلة- فإن المعارك بشأن دين من ينبغي ان ينتصر تصبح غير منفصلة عن قبيلة من ينبغي ان يكون لها الفوز . والامريكيون يعزون انفسهم بفكرة ان لا امة اخرى ستكون قادرة على مضاهاة قوتنا لعقود من الزمن. لكن من العصور حتى الوقت الحاضر غالباً ما واجهت القوى العظمى المتوسعة عالمياً قبائل وعشائر تقاومها بشدة واحياناً بنتائج رهيبة، كما حصل للامبراطورية الرومانية، وكلما كان المجتمع قبلياً او عشائرياً اكثر كلما كان اكثر مقاومة للتغيير، ويكون على الاصلاح عندئذ ان يأتي من الخارج او من فوق، كما حصل في يابان ميجي.

فالولايات المتحدة ليست في حرب مع الاسلام. وصراعها هو بدرجة كبيرة مع متمردين يتصرفون بطريقة القبائل والعشائر. وبعضهم افراد قبائل حقيقية.

والآخرون مجمعون بطريقة ترقيعية من رجال دين ومجندين جهاديين يعملون وسط مهاجرين جرى تحويلهم وتتعرف القوات الامريكية على هذا بطريقة صعبة على الارض.

وفي غضون ذلك، يبطئ صناع السياسة والستراتيجيون في واشنطن في ادراك الامر. ويقر التقرير الجديد لمجلس العلوم الدفاعية ان (الولايات المتحدة منغمرة في صراع نشوئي وعالمي يتعلق بالافكار، وليس في حرب بين الغرب والاسلام). لكنه لا يذكر دور القبلية في هذا الصراع الا في النادر.